الشكاوى والمقترحات

الأخبار

بنك الطيران المدني العربي ومؤسسة التأمين: هل تُحوّلان المنطقة العربية إلى قطب جوي عالمي؟

بقلم: د. مازن أحمد غانم
مدير عام النقل الجوي في الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد
دكتوراه في الاقتصاد وإدارة مؤسسات الطيران المدني

يُعَدُّ قطاع الطيران المدني ركيزةً محوريةً في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عالميًا؛ إذ يسهم في تسهيل حركة الأفراد والبضائع، ويعزز قطاعات التجارة والسياحة والاستثمار.
على الصعيد العربي
يشهد هذا القطاع نموًا مطردًا، تجلَّى في توسع أساطيل شركات الطيران العربية، حيث يُقدَّر عدد الطائرات المملوكة لشركات الطيران العربية ما بين 1600 و2000 طائرة في عام 2023، مع خطط لشراء أكثر من 1000 طائرة جديدة بحلول 2040، بقيمة تتجاوز 600 مليار دولار، وفقًا لتقارير شركتي “بوينغ” و”إيرباص”.
المشروعان الاستراتيجيان:
رؤية تحليلية
بطرح فكرة مشروعين استراتيجيين هما بنك الطيران المدني العربي ومؤسسة تأمين الطيران العربي، لم تَعُدْ هذه الفكرة مجرد خطوات تمويلية، بل أصبحت ركيزتين لتحقيق الاستقلالية المالية وتعزيز النفوذ الإقليمي العربي في صناعة تُقدَّر قيمتها بنحو 4.3% من الناتج المحلي الإجمالي العربي.
ووفقًا لبيانات الاتحاد العربي للنقل الجوي (AACO)، تُبرز المؤشرات الحالية قوة هدا القطاع:
– موقع متميز و تغطية وانتشار جغرافي واسع في 126 دولة و 435 وجهة مع نمو ملحوظ في افريقيا و امريكا الجنوبية.
— 259مليون مسافر نقلتهم الشركات العربية عبر 1.4 مليون رحلة جوية في 2023.
— 6ملايين طن حجم الشحن الجوي، مع توقعات بنموه 5% سنويًّا، مدعومًا بمشاريع عملاقة مثل “قرى الشحن” في دبي والدوحة.
بالإضافة إلى تصدر مطارات عربية قائمة المطارات الاكثر ازدحاماً ونمؤذجا للابتكار في الخدمات …

بالنظر إلى هذه المؤشرات، فإن السوق العربي للطيران المدني يمتلك إمكانات كبيرة للنمو، مما يبرز الحاجة إلى مشروعات استراتيجية تعزز من مكانته الإقليمية والدولية وتدعم استدامة هذا القطاع
لذلك، فإن إنشاء مؤسسات مالية واستراتيجية جديدة، مثل بنك الطيران المدني العربي ومؤسسة تأمين الطيران العربي، سيكون خطوة محورية لدعم هذا القطاع٠
إن مثل هذه المؤسسات لن تُساهم فقط في تعزيز استقلالية قطاع الطيران العربي، بل ستعمل أيضاً على تقليل الاعتماد على المؤسسات الدولية، وضمان أن تعود العوائد المالية إلى الاقتصاد العربي، مما يخلق أثراً إيجابياً مضاعفاً على مستوى التنمية
من هنا، يمكن التأكيد أن الوقت ما زال مُناسِبًا لإطلاق حلم الطيران العربي عبر المشروعين الرائدين أعلاه وهما:
المشروع الأول:
بنك الطيران المدني العربي
تمويل بموارد عربية لا يُمثِّل هذا المشروع ترفًا فكريًّا، بل ضرورةً لمواكبة حجم الاستثمارات التي تتجاوز 600 مليار دولار في شراء الطائرات وتطوير البنية التحتية.
أبرز أهداف البنك:
1. تمويل شراء الطائرات وبناء وتطوير المطارات و تحسين خدمات الملاحة الجوية عبر قروض ميسرة طويلة الأجل، بدلًا من الاعتماد على البنوك الدولية ذات الفوائد المرتفعة.

2. الاستدامة البيئية و دعم الابتكار التكنولوجي في مجال الطيران الأخضر، مثل تمويل أبحاث الوقود المستدام (SAF) لتقليل الانبعاثات الكربونية. و دعم مشاريع المطارات الخضراء .
4. إنشاء مراكز تدريب متخصصة لتأهيل الكوادر العربية، سدًّا للفجوة في سوق العمل التي تعتمد حاليًّا على الخبرات الأجنبية بنسبة 40% تقريبا.
5 – دعم الدول المتعثرة والأقل نموًا عبر توفير تمويل ميسر لتحسين بنيتها التحتية للطيران.
6- تعزيز التعاون الإقليمي وتحسين التكامل بين شركات الطيران العربية، وتسهيل تمويل مشاريع مشتركة تهدف لتوسيع العمليات الدولية وتحسين الخدمات.
7- تحفيز النمو الاقتصادي ودعم الاقتصادات المحلية عبر خلق فرص عمل جديدة، وتحفيز الاستثمارات في قطاع الطيران.
8- مواكبة تحديات الصناعة وتقديم حلول تمويلية لمواجهة التقلبات الاقتصادية، مثل ارتفاع أسعار الوقود أو تأثير الأزمات العالمية.

المشروع الثاني:
مؤسسة تأمين الطيران العربي:
منافسة “العملاق البريطاني لويدز”
في خطوة جريئة، تهدف الدول العربية إلى تقليل الاعتماد على شركات التأمين العالمية (التي تهيمن على حوالي 85% من قطاع الطيران المدني) عبر إطلاق مؤسسة تأمين متخصصة تُقدِّم حلولًا أرخص مقارنةً بالأسعار الدولية وفقاً للتقديرات الأولية.
إن صناعة تأمين الطيران تُعد أحد العوامل الرئيسية في دعم استدامة عمليات الطيران المدني. إن إنشاء شركة تأمين عربية متخصصة يمكن أن يسهم في تحقيق العديد من المزايا والفوائد، التالية:
الاكتفاء الذاتي وتعزيز الاستقلالية:
تقليل الاعتماد على شركات التأمين العالمية، وتوفير حلول تأمينية محلية تلبي احتياجات السوق العربي
تخفيض التكاليف:
تقديم أسعار تنافسية مقارنة بالشركات الدولية، مما يخفف الأعباء المالية على شركات الطيران العربية.
تحفيز ودعم النمو الإقليمي:
تعزيز الاقتصادات المحلية من خلال توفير فرص عمل واستثمار الأرباح في الدول العربية.
تطوير الخدمات التأمينية وإدارة المخاطر:
تحسين جودة الخدمات المقدمة لشركات الطيران، بما يشمل تسريع معالجة المطالبات وإدارة المخاطر بفعالية
الفرص المتاحة
النمو السريع للقطاع:
شركات مثل طيران الإمارات، الخطوط القطرية، والسعودية تمتلك أساطيل ضخمة تغطي شبكات عالمية، مما يتطلب حلول تأمينية مخصصة وبنية تحتية متطورة والعديد من المشاريع في مجال الطيران المدني.
زيادة الطلب على التأمين:
نمو حركة النقل الجوي الداخلي والإقليمي يعزز الحاجة لحلول تأمينية محلية.
إمكانية الشراكة مع شركات إعادة التأمين العالمية: لزيادة القدرة على مواجهة المخاطر الكبرى.
رؤوس أموال عربيه وبيئة استثمارية مرتفعة.

التحديات التي قد تواجه
المشروعين ومقترحات الحلول:
فيما يخص التحديات التي يمكن أن تواجه المشروعين والتي يمكن التغلب عليها في حالة وجود إرادة قوية وتعاون مشترك من الدول العربية باعتبارها دول تمتلك رؤوس أموال كبيرة وسوق طيران كبير وكوادر مؤهلة في مجال الطيران هي
– التمويل
اللازم لإنشاء مشروعي البنك و مؤسسة التامين العربية، وتحديد آليات توزيع الموارد بشكل فعال:
كيف ستجمع الدول العربية رأس المال الأولي المُقدَّر بمليارات الدولارات؟
المقترح:
شراكة ثلاثية بين الحكومات (50%)، والقطاع الخاص (30%)، والمؤسسات المالية العربية (20%).
– التنسيق السياسي:
الحاجة إلى توافق عربي لتبني تشريعات موحدة، خاصةً في ظل التباين في الأولويات بين الدول.
– الشراكات الدولية:
التعاون مع منظمات دولية مثل الاتحاد الدولي للنقل الجوي (IATA) و منظمة الطيران المدني الدولي (ICAO) لتبني المعايير العالمية.
– التحديات الإدارية:
توفير كوادر عربية متخصصة في إدارة المخاطر المالية والتأمينية
– التشريعات:
ضرورة مواءمة القوانين المحلية مع المعايير الدولية، مثل اتفاقيات مونتريال الخاصة بمسؤولية الناقل الجوي
– المنافسة الشرسة:
مع عمالقة مثل Lloyd’s و Munich Re فيما يخص مؤسسات التامين، التي تمتلك شبكات عالمية وخبرةً تمتد لعقود. .
تجارب عالمية:
دروس تُلهم المنطقة العربية
لن تكون المنطقة العربية أولى المناطق التي تسلك هذا الطريق، إذ تُقدِّم النماذج التالية إضاءاتٍ مهمة:
1. الصين : مول بنك التنمية الصيني شراء 300 طائرة خلال 5 سنوات بما فيها صفقة شراء 50 طائرة من شركة بوينغ الأميركية عام 2024،ساهم ذلك في تحويل الصين إلى ثاني أكبر سوق للطيران عالميًّا.
2. امريكا :سيتي بنك (Citibank): يُعَدُّ سيتي بنك من البنوك الرائدة في مجال تمويل الطائرات، حيث يقدم حلولًا تمويلية متنوعة لشركات الطيران حول العالم.
3. أفريقيا: نجحت مؤسسة Africa Re في خفض الاعتماد على التأمين الأجنبي بنسبة 35% عبر شراكات إقليمية ذكية.
4. لندن :شركة Lloyd’s of London:
تُعد من الشركات الرائدة عالميًا في تأمين الطيران، حيث توفر نماذج تأمينية متعددة تغطي المخاطر العالمية وقد حققت شركة لويدز، أرباحًا قوية في النصف الأول من عام 2024 بلغت 4.9 مليار جنيه إسترليني، بزيادة ملحوظة عن العام الماضي، مما يعكس أداءً ماليًا متميزًا…
التوصيات:
خارطة طريق للنجاح
لتحويل هذه الرؤية إلى واقع، نقترح:
1. إطلاق صندوق استثماري إقليمي بشراكة بين الحكومات والقطاع الخاص لدعم المشروعين ماليًّا (PPP) (Public-Private Partnership )،
2. تعزيز الإرادة السياسية العربية عبر مؤتمرات قمة متخصصة، لتبني تشريعات موحدة وتذليل العقبات البيروقراطية.
3. إعداد دراسات جدوى مُعمَّقة بالتعاون مع منظمات دولية مثل البنك الدولي، لتقييم المخاطر وضمان الجدوى الاقتصادية.
الخاتمة:
السماء العربية.. ساحة للسيادة أم فرصة ضائعة؟
بحسب تحليلات اقتصادية عامة لقطاع الطيران في المنطقة ، قد تضيف مثل هذه المشاريع ادا ما تم تنفيذها بالشكل المخطط له وبوجود الدعم الكافي من الدول العربية ما يقارب من 120 مليار دولار للناتج المحلي ، ويخلق 500 ألف فرصة عمل في مجال الطيران المدني بحلول عام 2035 لكن التحدي الأكبر يتمثل في (السرعة) : فالأسواق الأفريقية والآسيوية
تسابق الزمن لتعزيز نفوذها
في صناعة الطيران
السؤال الذي يطرح نفسه الآن:
هل ستستطيع الدول العربية تحويل هذه الرؤية إلى واقع قبل
فوات الأوان؟

المصادر:
– ورقة عمل مشتركة لليمن والإمارات سبق وأن تم تقديمها عام (2014) في منظمة الطيران المدني العربي
– تقارير الاتحاد العربي للنقل الجوي (AACO).
– بيانات شركتي بوينغ وإيرباص.
– العديد من المقالات التحليلية حول تطورات صناعة الطيران.

التعليقات

500 / 0